إنتشرت في الآونة الأخيرة بعض الهتافات التي تٌصرح و تدعوا الشباب إلى أن مُحركهم الأساسي و الأول هو الشغف في إختياراتهم الجامعية أو في نوعية العمل الذي يقومون به و غيرها من المواقف التي تستدعي تحديد خيار واحد قد يؤثر على بقية حياتك
في حين أن هناك فئة من الناس تعتقد إعتقادا جازما بأن الخوف هو المحرك الأساسي للإنسان ليتجاوز جميع عقبات الحياة
و أنه هو الذي يعطيه الحافز لتجنب عقبات الفشل و نتائجه مما يجعلك في حالة تأهب و إستعداد دائمين
فما حقيقة هذا الجدال ؟ و ما النتائج التي قد يحققها تبعات هذا الصراع ؟
الشغف أم الخوف ؟ التغلب على المخاوف أم محاولة إيجاد حافز جديد يدفعنا للإستمرار ؟
هل تعتقد أن الطبيب أو المهندس يتمتع بالشغف الكافي ليقوم بأداء عمله كل يوم ؟
هل تعتقد أن الطبيب يذهب كل يوم إلى العمل بشكل مستمر و يدرس طوال حياته علوما شتى بدافع الشغف فقط !?
و هل تجديد المهندس لشغفه في كل مرة هو ما يجعله يصمم بنايات و منازل بطريقة إبداعية و يتكبد عناء العلم و العمل و يصبر لسنوات طوال من الدراسة ؟
فكر في هذا جيدا
مغالطة الشغف و التحفيز
قبل سنوات 1950 و 1960 كانت فكرة العمل متمحورة بشكل أساسي حول الإستقرار و مساعدة العائلة و هو ما يبحث عنه أي شخص بشكل طبيعي و غريزي
لكن في وقتنا هذا قاموا بالترويج لفكرة الشغف passion في العمل و في كل جوانب الحياة و إختياراتها
و روجوا لفكرة { إتبع شغفك أينما حل } على أساس الفكرة التي تدعوا إلى أن الشيئ الذي تحبه ستستمر و تبدع فيه مهما كانت الظروف و الأحوال و المخاوف
مع أن هذه الفكرة تحتوي على جانب من الحق لكن ليس كما يروج لها
فيمكنك تحصيل الشغف بعد جهد و عناء في مجال أو تخصص لم يكن لك علم به
لأنك في كل مرة من مراحل حياتك تستكشف فيها نفسك و ميولك و شغفك عن طريق ممارسة عدة أشياء و تخصصات و مجالات لم تتخيل أن تكون مهتما بها البتة
و من أبرز الشخصيات التي روجت لهذه الفكرة : ستيف جوبز و مارك زوكنبيرغ لكونهما أحدثا طفرة في عالم التقنية و التكنولوجيا
لكن كون هاتين الشخصيتين ناجحتين في مجالهما لا يجعل شغفهما بهذا المجال هو ما جعلهما ناجحتين
التغلب على المخاوف ~ نظرية النمو العمودي و الأفقي
مما لفت إنتباهي في إحدى المقالات الرائعة بعنوان ( يوم مُخيف )
هو تحدث الكاتب scotthyoung عن نظرية رائعة تعبر عن المنحنى الذي يأخذه الإنسان أثناء تطوره الفكري
بحيث قسم الكاتب التطور و النمو الفكري للإنسان إلى عنصرين رئيسيين : نمو عمودي و نمو أفقي
و ركز الكاتب على أنّ الانسان يركز دائما على النمو العمودي و هي الأشياء التي تستدعي منه الإلتزام لتحقيقها و النجاح فيها
مثل الذهاب إلى صالة الرياضة و الإستيقاظ باكرا و البعد عن العادات السيئة و تقوية عادة قراءة الكتب لديك و غيرها من الأهداف التي تتطلب منك إلتزاما و تكرارا لتحقيقها ~ discipline
أما النمو الأفقي و يقصد به الأشياء التي تتطلب الشجاعة courage و التغلب على المخاوف لتحقيقها
مثل التحدث أمام الناس ٫ التحدث بلغة أجنبية و إقامة علاقات جديدة و أصدقاء جدد
فهذا الجانب من النمو نهمله كثيرا و لا نركز عليه
و هنا نستطيع تلخيص عدة قواعد أساسية من هذه النظرية :
- التركيز على النمو العمودي دون النمو الأفقي يجعلنا مهتمين أكثر بتحقيق نجاحات كثيرة لكن مع رؤية للحياة ضيقة و سلامة نفسية أقل لأننا لم نتغلب على مخاوفنا
- التركيز على النمو الأفقي دون النمو العمودي يجعل نظرتنا للحياة واسعة مع أهداف و تحفيز أقل لاننا لم نربي عادة الانضباط لدينا
- أما التركيز على النمو العمودي و الأفقي و هو ما نهدف إليه يجعلنا أكثر إنضباطا و شجاعة للتغلب على المخاوف و تصبح لدينا نظرة واسعة و شاملة للحياة
و هذا المخطط قد يلخص ما نهدف إلى القول به

هل قراراتك و إختياراتك مُساقة بالخوف أم الشغف
الخوف و الشغف هما العاملان الوحيدان الذان يحركان أي شخص في إختياراته و قراراته المصيرية
سواءا على سبيل المثال
الخوف من عدم النجاح يحفزك على التحضير و الجد و الاجتهاد
و الخوف من الافلاس يحفزك على الادخار
أو أن يكون الشغف هو محركك الاساسي :
الشغف بالتخصص العلمي يجعلك دائم التفاؤل و العطاء
الشغف بالعلم يحفزك على التعلم ساعات و ساعات
لكن لكل منهما سلبيات أيضا قد تؤثر على حياتك و قراراتك المستقبليه فهما في النهاية شعور داخلي ينتابك للحظة
مثلا أن تكون مساقا بالخوف طيلة حياتك مما يولد الضغط و التوتر المزمنين و يعكران مزاجك اليومي
أو أن تكون مساقا بالشغف فأنت تتقلب بين تخصص و تخصص مما يولد لك التشتت الفكري و في النهاية يصبح عقلك ينجذب نحو كل شيئ يعجبك كعقل القرد moneky mind كما يصفه المختصون . يتنقل بين شجرة و أخرى
إقرأ المقال هذا للتعرف على ما أقصده بعقل القرد ؟
نظرية عقل القرد | القدرة على التركيز
هل أجعل قراراتي مبنية على التغلب على المخاوف أو إتباع الشغف ؟

في النهاية لكل من هاذين العاملين إيجابيات و سلبيات فما العامل الذي أتخذه أثناء إختيار قراراتي ؟ هذا السؤال الذي يدور في ذهنك الآن صحيح !
في هذه الحياة التي وهبنا الله إياها جعل فيها دليلا لإستخدامها بطريقة صحيحة و لتحصيل ما أمرنا به على وجه الكمال و الإتقان
فمبدأ هذه الحياة هو التوازن في كل الأضداد
فلا يغلب شعورك الفرح على الحزن و لا العكس
و لا تكن كثير الضحك أو كثير البكاء
فأنت بين الأضداد تتقلب نفسك و مشاعرك
فمبدأ التوازن هنا يجعل حياتنا و مشاعرنا و عواطفنا متوازنة متعادلة لتحصيل حياة أفضل و شعور أكمل
فكذلك بالنسبة للخوف و الشغف
فيجب عليك أن توازن بينهما أثناء تحديد قراراتك و إختياراتك المستقبلية
فعلى سبيل المثال : إذا نجحت في الباكالوريا و وصلت لمرحلة إختيار التخصص و الجامعة فهنا تستطيع بناء قرارك هذا على كل من الخوف و الشغف
فالشغف أن تكون محب و متحمس لهذا التخصص لكنك مدرك لعواقب و النتائج المترتبة لإختيار هذا القرار و هذا هو الخوف
أو أن تكون مقبل على وظيفة أو عمل مما أنت شغوف به و متحمس له ثم تكتشف أن الراتب الشهري لا يناسبك و لا يقدر الجهد الذي تبذله فتغير الوظيفة و تبحث عن أخرى تجمع بين تخصص تحبه و راتب مناسب
فأنت هنا اعتمدت على الخوف و الشغف
فجمعت بين الاثنين و وفقت في الاختيار
لكن هل هذا كافي لمواصلة تحقيق أهدافك و النجاح فيها ؟ بالإعتماد فقط على مشاعر متقلبة لمواصلة الطريق ؟
هنا يلزمك مبدأ الانضباط و الإلتزام Discipline في اختياراتك و قراراتك
التخطيط اليومي و أهمية تدوين اليوميات
الإلتزام و هو ما يضبطك على مواصلة الطريق وليس الخوف و الشغف !
و هو العنصر الوحيد الذي يجعل وتيرتك مستمرة و منظمة لتحقيق هدفك
فالانضباط عادة تجعلك تقوم بالشيئ سواءا كنت في مزاج حسن أو سيئ و تزيد من إنتاجيتك بغض النظر عن الشعور الذي يلازمك في تلك اللحظة
و يجب على كل شخص فينا تطوير و تربية هذه العادة للنجاح في الحياة بشكل عام أو في مشروع بشكل خاص
فلن نتجح في شيئ ما لم تربي نفسك على الإلتزام بهذا الشيئ و ضبطها على الجد و الاجتهاد في تحصيله
و نرى في ديننا الإسلامي الكثير من التعاليم التي تنظم حياة الفرد و تعلمه الإلتزام و الانضباط في حياته اليومية
مثل الصلاة خمس مرات في اليوم و صلاة الفجر التي تعلمنا النهوض باكرا
فكما ذكرنا سابقا في نظرية النمو العمودي و الأفقي : يلزمك الشجاعة ( التغلب على المخاوف ) و الانضباط لتحقيق ما تريد و لتكون لديك نظرة شاملة و واسعة للحياة
في النهاية شاركنا رأيك حول ( التغلب على المخاوف , الشغف و الخوف ) و كيف هي نظرتك حول هذا الموضوع